Followers

Sabtu, 26 Maret 2011

Tafsir Surat Al-baqorah 1-20

الم (١)ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (٢)الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (٣)وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٤)أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥)
معنى المفردات لغويا
ريب : يقال رابني كذ وأرابني ، فالريب أن تتوهم بالشيء أمرا ما فينكشف عما تتوهم .
غيب :الغيب مصدر غابت الشمس وغيرها إذا لستترت عن العين ، يقال غاب عنى كذا .
آخر : يقابل به الأول ، وآخر يقابل به الواحد ، ويعبر بالدار الآخرة عن النشأة الأولى .
التفسير اللفظى

(الم) ستقرأ الكلام عليها وعلى غيرها فى أول آل عمران وفى أول كل سورة مبدوءة بمثل هذه الحروف وسنستوفى الكلام على أسرارها الخاصة بهذه السورة فى الملحق. (ذلك الكتاب) القرآن (لاريب) لا شك (فيه) أنه من عندالله (هدى للمتقين) يهدىهم الى الحق ، وخص المتقين لأنهم المنتفعون به ، وان كانت دلالته عامة لكل ناظر (الذين يؤمنون بالغيب) يصدقون بما غاب عنهم كأمر البعث والحساب (ويقيمون الصلاة) يداومون عليها فى مواقيتها بحدودها وإتمام أركانها ، وحفظها من أن يقع فيها خلل (ومما رزقناهم ينفقون) أى ومما أعطيناهم من الأموال يتصدقون ويؤدون زكة أموالهم (والذين يؤمنون بما أنزل اليك زما أنزل من قبلك) كعبج الله بن سلام معطوف على الذين قبله (وبالأخرة هم يوقنون ) الإيقان العلم بانتفاء الشك والشبهة (أولئك على هدى من ربهم ) على رشاد ونور واستقامة (وألئك هم المفلحون) الناجون الفائزون : نجوا من النار وفازوا بالحينة .
المعنى الإجمالي
يقول عز وجل : إنى أرسلت رسولا حكيما ، فصيح اللسان كما سترون فى هذه السورة من القصص ونتائجها ، والحجج وبدائعها ، والآيات وشرائعها ، ومما فى هذه الآيات المنزلات الا جل بليغات ، وهى حروف مركبات ا ل م ، فما منعكم أن تنجسوا على منواله ، وتبنوا مجدا كما بنى ذلك الكتاب يهدى المتقين الذى جمعوا ثلاث صفات. الحكمة والعلم ، واليهما الرمز بالايمان بالغيب ، وتسخير البدن فى العبادة كالصلاة. وبذل المال مما رزقوا ، ثم خصص طائفة منهم بالذكر تشريفا لهم ، وهم الذين آمنوا بما سبق انزله من الكتاب وما نزل من الدين ، وما سيكون من اليوم الآخر : أى الماضى والحال والاستقبال تلميحا الى أن الانسان صاحب الدهر ، وعليه النظر فى حقيقة جميع الاشياء.

الإيضاح
(الم) هى وأمثالها من الحروف المقطعة نحو (المص والمر) حروف للتنبيه كألا ويا ونحوهما مما وضع لإيقاظ السامع إلى ما يلقى بعدها، فهنا جاءت للفت نظر المخاطب إلى وصف القرآن الكريم والإشارة إلى إعجازه وإقامة الحجة على أهل الكتاب إلى نحو ذلك مما جاء فى أثناء السورة. (ذلك الكتاب) الكتاب اسم بمعنى المكتوب وهو النقوش والرقوم الدالة على المعانى، والمراد به الكتاب المعروف المعهود للنبى صلى الله عليه وسلم الذى وعده الله به لتأييد رسالته وكفل به هداية طالاب الحق وإرشادهم إلى مافيه سعادتهم فى معاشهم ومعادهم. (لا ريب فيه) الريب والريبة الثاك، وحقيقته قلق النفس واضطرابها، سمى به الشاك لأنه يقلق النفس ويزيل منها الطمأنينة، وقد جاء فى الحديث (دع ما يريبك، فإن الشاك ريبة والصدق طمأنينة. (هدى للمتقبن) الهدى بالنظر إلى المتقين، هو الدلالة على الصراط المستقيم مع المعونة والتوفيق للعمل بأحكامه، إذ هم قد اقتبوا من أنواره وجنوا من ثماره، وهو لغيرهم هدى ودلالة على الخير، وإن لم يأخذوا بهديه وينتفعوا بإرشاده. والمتقين : واحدهم متق من الاتقاء وهو الحجز بين الشيئين، ومنه يقال اتقى بترسه أى جعله حاجزا بين نفسه ومن يقصده، فكأن المتفى يجعل أمتثال أوامر الله واجتناب نواهيه – حاجزا بينه و بين العقاب الإلهى.
(الذين يؤمنون بالغيب) الإيمان تصديق جازم يقترن باذعان النفس واستسلامها ، وأمارته العمل بما يقتضيه الإيمان ، وهو يختلف باختلاف مراتب المؤمنين فى اليقين. (ويقيمون الصلاة) الصلاة فى اللغة الدعاء كما قال تعالى (وصلى عليهم) ودعاء المعبود بالقول أو بالفعل أو بكلاميها يشعر العابد باحاجة إليه استدارار للنعمة أو دفعا للنقمة. (ومما رزقناهم ينفقون) الرزق فى الغة العطاء، ثم شاع استعماله فيه ينتفع به الحيوان ، وجمهورة المسلمين على أن كل ماينتفع به حلالا كان ما ينتفع به حلالا كان أو حراما فهو رزق ، وخصه جماعة بالحلال فقط.
(والذين يؤمنون) روى ابن جرير عن ابن عباس أن المراد بالمؤمنين هنا من يرمنون بالنبى والقرآن من أهل الكتاب ، وبالمؤمنين فيما قبلها من يؤمنون من مشركى العرب. (بما أنزل إليك) هو القرآن الذى يتلى ، والوحى الذى لا يتلى ، وهو ما بينه النبى صلى لله عليه وسلم من أعداد الركعات فى الصلاة ، ومقادير الزكاة ، وحدود الجنايات ، قال تعالى ( وأنزانا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ) وقال (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى) ولابد من معرفة ذلك تفصيلا فلا يسع المؤمن جهل ما علم من الدين بالضرورة. (وما أنزل من قبلك) هو التوراة ولإنجيل وسائر الكتب السالفة ، فيؤمنون بها إيمانا إجماليا لا تفصيليا. (وبالآخرة هم يوقنون) الدار الآخرة هى دلر الجزاء على الأعمال – ولإيمان بها يتضمن الإيمان بكل ما ورد فيها بالنصوص المتواترة كالحساب والميزان والصراط والجنة والنار .
المناسبة
لما ذكر تعلى صفات المؤمنين في الآيات السابقة ، أعقابها بذكر صفات الكافرين ، ليظهر الفارق الواضح بين الصنفين ، على طريقين القرآن الكريم في المقارنة بين الأبرار والفجار ، والتمييز بين أهل السعادة وأهل الشقاوة ((بضدها تتميز الأشياء)).
الدروس المستفادات
من هداية الآية :
1- تقوية الإيمان بالله تعالى وكتابه ورسوله ، الحث على طلب الهداية من الكتاب الكريم .
2- بيان فضيلة التقوى وأهلها .
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٦)خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٧)
معنى المفردات لغويا
سوا : المساوة المعادلة المعتبرة بالذرع والوزن والكيل ، يقال هذا ثوب مساو لذلك الثوب .
ختم : الختم والطبع بقال على وجهين مصدر ختمت وطبغت وهو تأثير الشيء كنقش الخاتم والطابع .
عذب : ماء عذب طيب بارد .
التفسير الفظى
(إن الذين كفروا) جحدوا وأنكروا (سواء عليهم) أى متساو لديهم (أأنذرتهم) أى خوفتهم وحذرتهم (أم لم تنذرهم لايؤمنون) لا يصدقون (ختم الله على قلوبهم) طبع عليها (وعلى سمعهم) أى وختم على موضوع سمعهم ، فلا يسمعون الحق ولا ينتفعون به (وعلى أبصارهم غشاوة) غطاء فلايرون الحق (ولهم عذاب عظيم) شديد فى الآخرة .
المعنى الجملى
بعد أن بين سبحانه حال المتقين الذى يؤمنون بالغيب وبما أنزل إلى الرسول صلى لله عليه وسلم وما أنزل من قبله ، وبين ماآل إليه أمرهم من الهداية والفلاح أعقاب هذا بشرح حال طائفة ثانية وهم الكفرة الفجرة ، وأبان أنه قد بلغ من أمرهم فى الغواية والضلال ألا يجدى فيهم الإنذار والتبشير وألا تؤشر فيهم العظة والتذكير ، فهم عن الصراط السوى نا كبون ، وعن الحق معرضون ، فالإنذار وعدمه سيان ، فماذا ينفع النور مهما سطع ، والضوء مهما ارتفع ، مع من أغمض عينيه حتى لا يراه بغضا له ، وعداوة لمن دعا إليه ، لأن الجهل أفساد وجدانه ، فأصبح لا يميز بين نور وظلمة ، ولا بين نافع وضار.
وقد جرت سنة الله فى مثل هؤلاء الذىن مرنوا على الكفر أن يختم على قلوبهم فلا يبقى فيها استعداد لغير الكفر ، ويختم على سمعهم فلا يسمعون إلا أصواتا لا ينفذ منها إلى القلب شيء ينتفع به ، ويجعل على أبصارهم غشاوة ، إذ هم لما لم ينظروا إلى مافى الكون من آيات وعبر ، ولم يبصرو ا ما به يتقون الخطر ، فكأنهم لايبصرون شيئا وكأنه قد ضرب على أبصارهم بغشاوة.
وقد حكم الله عليهم بالذاب الأليم فى العقبى ، وقد المعز والسلطان والخزى فى الدنيا كما قال (لهم فى الدنيا خزى ولهم فى الآخرة عذلب عظيم)
الإيضاح
(إن الذين كفروا) الكفر لغة ستر الشىء وتغطيته ، وقد وصف به الليل كقوله * فى ليلة كفر النجوم غمامها *
والزراع كقوله تعالى (كمثل غيث أعجب الكفار نباته) من قبل أنهم يغطون الحب بالتراب ، ثم استعل فى كفر النعم بعدم شكرها ، وفى الكفر بالله ووحدا نيته وصفاته و كتبه زرسوله.
والمراد بالذين كفروا هنا من علم الله أن الكفر قد رسخ فى قلوبهم حتى أصبحوا غير مستعدين للايمان ، بجحودهم بالنبى صلى الله عليه وسلم وبما جاء به بعد أن لغتهم رسالته بلاغا صحيحا وعرضت عليهم الدلائل على صحتها للنظر والبحث فأعرضوا عنها عنادا واستهزاء.
وسبب كفرهم :
1- إما عناد للحاق بعد معرفته ، وقد كان من هذا الصنف جماعة من المشركين واليهود فى زمن صلى الله عليه وسلم كأبى لهب وأبى جهل والوليد بن المغيرة وأحبار اليهود.
2- وإما إعراض عن معرفة واستكبار عن النظر فيه ، والمعرضون عن الحق يوجدون فى كل زمان ومكان ، وهؤلاء إذا طاف بهم طائف الحق لروا رءوسهم واستكبروا وهم معرضون ، وفيهم يقول تبارك وتعالى ( إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون ، ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ، ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون)
(سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرون؟) سواء اسم بمعنى مستو كما قال تعالى (إلى كلمة سواء بيننا وبينكم) والإنذار إخبار بشىء مع التخويف بما يترتب على فعله إن كان مذموما أو تركه إن كان محمودا ، ويراد به هنا التخويف من عذاب الله وعقابه على فعل المعاصى.
(لا يؤمنون) جملة موضحة لتساوى الإنذار وعدمه فى حقهم لافى حقه صلى الله عليه وسلم ولا فى حق الدعاة إلى دينه ، إذ هم يدعون كل كافر إلى الدين الحق ، لافرق بين المستعيد للايمان وغير المستعيد.
(ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة) الختم والطبع والرين بمعنى واحد ، وهو تغطية الشىء مع إبعاده ما من شأنه أن يدخلون ويمسه ، والمراد بالقلوب العقول ، وبالسمع الأسماع ، وبالأبصار العيون التى تدرك المبصرات من أشكال وألوان ، والغشاوة الغطاء.
المعنى – ضرب الله مثلا الحال قلوب ألئك القوم تمكن الكفر فيها حتى امتنع أن يصل إليها شيء من الأمور الدينية النافعة لها فى معاشها ومعادها وحيل بينها وبينه – بحال بيوت معدة الحلول ما يأتى إليها مما فيه مصالح مهمة للناس لكنه منع ذلك بالختم عليها وحيل وبين ما أعدت لأجله – فقد حدث فى كل منهما امتناع دخول شىء بسبب مانع قوى : وكذلك حدث مثل هذا فى الأسماع فلا تسمع آيات الله الملصرة فى الآفاق والأنفس الدالة على الإيمان : ومن ثم لا يرجع تغيير حالهم ولت أن يدخل الإيمان فى قلوبهم.
المناسبة
لما ذكر تعالى في أول السورة صفات المؤمنين ، وأعقابها بذكر صفات الكافرين ، ذكر هنا ((المنافقين)) وهم صنف الثالث ، الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر ، وأطنب بذكرهم في ثلاث عثرة آية لينبه إلى عظيم خطرهم ، وكبير ضررهم ، ثم عقب ذلك بضرب مثلين زيادة في الكشف والبيان ، وتوضيحا لما تنطوى عليه نفوسهم من ظلمة الضلال والنفاق ، وما يئول إليه حالهم من الهلاك والدمار.


سبب النزول
قال ابن عباس : نزلت هذه الآيات فى منافقي أهل الكتاب منهم (عبدالله بن أبي ابن سلول ، ومعتب بن قشير ، والجد بن قبس) كانوا إذا لقوا المؤمنين يظهرون الإيمان والتصديق ويقولون : إن لنجدنا فى كتابنا نعته وصفته.
الدروس المستفادات
1- بيان سنة الله تعالى فى أهل العناد والمكابرة والإِصرار بأن يحرمهم لله تعالى الهداية وذلك بتعطيل حواسهم حتى لا ينتفعوا بها فلا يؤمنوا ولا يهتدوا .
2- التحذير من الإصرار على الكفر والظلم والفساد الموجب للعذاب العظيم .

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (٨)يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (٩)فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (١٠)
معنى المفردات لغويا
خدع : الخدع إنزال الغير عما عو بصدده بأمر يبديه على خلاف ما يخفيه .
قلب : قلب الشيء تصريفه وصرفه عن وجه إلى وجه كقلب الثوب وقلب الانسان أى صوفه عن طريقه .
مرض : المرض الخروج عن الاعتدال الخاص بالإنسان وذلك ضربان ، الأول مرض جسمى .

التفسير اللفظى
(ومن الناس من يقول آمنا بالله) وهم المنافقون : كعبد الله بن أبى ابن سلول وأضرابه (وباليوم الآخر) وبالبعث بعد الموت (وماهم بمؤمنين) فى السر ولامصدقين (يخدعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون. فى قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون) الخداع الحيلة والمكر ، والمخادع يظهر خلاف ما يبطن ، وهؤلاء يخدعون رسول الله والذين آمنوا : وضرر الخداع راجع اليهم. كما قال تعالى (ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله) والمتمدى فى الذنوب المعتاد لها، لايشعر بنتائجها الكامنة فيه البادية فى سائر أحواله ، فهؤلاء أصبحوا وقد أكل الحسد قلوبهم وأحط الجهل بها، فصار ذلك مرضا لازما لها (فزادهم الله مراضا) باعلاء شأن النبى صلى الله عليه وسلم زتضاعف النصر وتكرار الوحى .
المعنى الجملى
ذكر سبحانه أولا من أخلص دينه الله ووافق سره علينا وفعله قوله ، ثم ثنى بذكر من محضوا الكفر ظاهر وباطنا. وهنا ثلث بالمنافقين الذين آمنوا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ، وهم أخبث الكفرة ، لأنهم ضموا إلى الكفر استهزاء وخداعا وتمويها وتدليسا ، وفيهم نزل (إن المنفقين فى الدرك الأسفل من النار) ونزل (مذبذ بين ذلك لا إلى هؤلاء) وقد وصف الله حال الذين كفروا فى آيتين وحال المنافقين فى ثلاث عشرة آياة ، نعى عليهم فيها خبشهم ومكرهم وفضحهم واستجلهم واستهزأ بهم وتهكم بفعلهم ودعاهم صما بكما عميا وضرب لهم شنيع الأمثال.
فنعنى عليهم خبشهم فى فوله : ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر : ومكرهم فى قوله : يخادعون الله والذين آمنوا : وفضحهم فى قوله : وما هم بمرمنين ، وفى قوله : وما يخدمون إلا أنفسهم ، وفى قوله : فى قلوبهم مرض، واستجلهم فى قوله :
وما يشعرون ، وفى قوله : ولكنه لا يشعرون ، وفى قوله : ولكن لا يعلمون وتهكم بفعلهم فى قوله ، وألئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى ، ودعاهم صهابكما عميا فى قوله : صم بكم عمى فهم لا يرجعون ، وضرب لهم شتيع الأمثال فى قوله : مثلهم كمثل لذين استوقد نارا الخ وفى قوله : أو كصيب من السماء الخ.
الإيضاح
(ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر) أصل ناس أناس ويشهد له إنسان وإنسى ، وسموا بذلك لظهورهم وتعلق الإيناس بهم ، كما سمى الجن جنا لاجتنانهم وإختفائهم.
من يقول الخ هم أولئك النفر من المنفقين الذين كانوا فى عصر التنزيل كعبد الله ابن أبى بن سلول وأصحابه وأكثرهم من اليهود ، ولهم نظراء فى كل عصر وقطر.
واليوم الآخر – هو من وقت الحشر إلى من لا يتناهى ، أو إلى أن يدخلون أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، وخصوا بالذكر الإيمان بهما إشارة إلى أنهم أحاطوا بجانبى الإيمان أوله وآخره، وهم لم يكونوا كذلك ، إذ كانوا مشركين بالله لأنهم يقولون عزيز ابن الله ، وجاحدون باليوم الآخر إذ قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة وقد حكى الله عبارتهم ليبين كمال خبثهم لأن ما قلوه لو صدر عنهم لا على وجه الخداع والنفاق مع ما هم عليه لم يكن ذلك إيمانا لاتخاذهم الولد واعتقادهم أن الجنة لا يدخلها غيرهم ، فما بالك بهم إذا قالوه تمويها على المؤمنين واستهزاء بهم.
(وما هم بمؤمنين) أى وماهم بدخلين فى عداد المؤمنين الصادقين الذين يشعرون بعظيم ساطان الله ، ويعلمون أنه مطلع على سرهم ونجواهم ، إذ هم كانوا يكتفون ببعض ظواهر العبادات ، ظنا منهم أن ذلك يرضى ربهم ، ثم هم بعد ذلك مما حكاه الكتاب الكريم عنهم ونقله الروة.
(يخدمون الله والذين آمنوا) الخدع أن توهم غيرك خلاف ما تخفيه لتحول بينه وبين ما يريد ، وأصله من قولهم : خدع الضب إذا توارى فى جحره ، وضب خادع إذا أوهم حارسه الإقبال عليه ثم خرج من باب آخر.
والخدع هنا من جانب المافقين الله وللمؤمنين ، والتعبير بصيغة المخدعة للدلاة على المبالغة فى حصول الفعل وهو الخدع ، أو لدلالة على حصوله مرة بعد أخرى ، كما يقال مارست الشىء وزاولته ، إذ هم كانوا مداومين على الخدع ، إذ أعمالهم الظاهرة لا تصدقها بواطنهم ، وهذا لايكون إلا من مخادع لا من تائب خاشع.
وخداعهم للمؤمنين بإظهار الإيمان وإخفاء الكفر للاظلاع على أسرارهم وإذاعتها إلى أعدائهم من المشركين واليهود ، ودفع الأذى عن أنفسهم.
(وما يخدعون إلا أنفسهم ) إذ ضرد عملهم لاحق بهم ، فهم يغرون أنفسهم بالأكاذيب ويلقونها فى مهاوى الهلاك والردى.
(وما يشعرون) يقال شعر به يشعر شعورا : علم به وفطن ، والفطنة إنما تتعلق بخفايا الأمور ، فالشعور لايكزن إلا فى إدراك ما دق وخفى من شىء حسى أو عقل.
وقد نفى الشعور عنهم فى مخادعتهم لله ، لأنهم لم يحاسبوا أنفسهم على أقوالهم ولم يراقبوه فى أفعالهم، ولم يفركوا فيما يرضيه ، بل جروا فى ريائهم على ما ألفوا وتعودوا فهم يعلمون عمل المخدعون وما يشعرون ، فاذا عرض لهم زاجر من الذين يحول بينهم وبين ما يشتهون – وجدوا لهم من للعاذير ما يسهل أمره ، إما بأمل فى المغفرة ، أو تحريف فى أوامر الكتاب ، لما رسخ فى نفوسهم من عقائد الزيغ التى يسمونها إيمانا ، وهم فى الحقيقة مخدعون ، وعن الصراط السوى نا كبون.
والمشاهد أن الإنسان إذا هم بعمل وناجى نفسه ، وجد كأن فى قلبه خصمين مختصين ، أحدهما يميل به إلى اللذة ويسير به فى ظريق الضلال والغواية ، وثانيهما يأمره بالسير فى الطريق القويم وينهاه عن اتباع النفس والهوى ، ولقد جاء فى كلامهم عن المتردد (فلان يشاور نفسه)
ولا يترجح عنده جانب الشر إلا إذا خدع نفسه وصرفها عن الحق، وزين لها اتباع الباطل، وإنما يكون ذلك بعد مشاورة ومذاكرة تجول فى الخاطر وتهجس فى النفس ربما لا يلتفت إليها الإنسان ولا يشعر بما يجول بين جنبيه.
(فى قلوبهم مرض) القلوب هنا العقول ، وهو تعبير معروف عند العرب، كأنهم لاحظوا أن القلب يظهر فيه أثر الوجدان الذى هو السائق إلى الأعمال كأضطرابه حين الخوف أو اشتداد الفرح.
ومرضها ما يطرأ عليها مما يضعف إدراكها وتعقلها لفهم الدين ومعرفة أسراره وحكمه، وفقدان هذا الإدراك هو الذى عبر عنه القرآن بقوله : (لهم قلوبهم لا يفقهون بها).
ومن أسباب ذلك الجهل والنفاق والشاك والارتياب والحسد والضغينة إلى غير ذلك مما يفسد الاعتقاد والأخلاق ويجعل أحكام العقل فى اضطراب.
وقد وجد هذا المرض عند هؤلاء المنافقين حين كانوا فى فترة من الرسل فلم يكن لهم حظ من قراءة كتب الدين إلا تلاوتها ولا من أعماله إلا إقامة صورها دون أن تنفذ أسرارها إلى القلوب ، فتهذب النفوس وتسمو بها إلى فضائل الأخلاق والتفقه فى الدين.
(ولهم عذاب أليم) أليم من ألم يألم فهو أليم بمعنى مؤلم (بفتح اللام) إذ يصل ألمه إلى القلوب ، وصف به العذاب نفسه لبيان أن الألم بلغ الغاية حتى سرى من المعذب (بفتخ اللام) إلى العذاب المتعلق به.
(بما كنوا يكذبون) أى بكذبم فى دعواهنم الإيمان بالله واليوم الآخر، فهم لم يصدقوا بأعمالهم ما يزعمون من حالهم ، وقد جعل العذاب جزاء الكذب دون سائر موجباته الأخرى كالكفر وغيره من أعمالهم السوء ، للتحذير منه وبيان فظاعته وعظم جرمه، وللإشعار بأن الكفر من محتوياته ، وإليه ينتهى فى حدوده وغاياته، وشاعت فيها الرذائل، فهو مصدر كل رذيلة، ومنشأ كل كبيرة، وقد روى عن النبى صلى الله عليهم وسلم أنه قال : إيا كم والكذب فإنه مجانب للايمان.
الدروس المستفادات
التحذير من الكذب والنفاق والخداع ، وأن عاقبة الخداع تعود على صاحبها كما أن السيئة لا يتولد عنها إلا سيئة مثلها .

وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (١١)أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ (١٢)وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ (١٣)
معنى المفردات لغويا
فسد : الفسد خرزج الشيء عن الاعتدال قليلا كان الخروج عنه أو كشيرا ويضاده الصلاح ويستعمل ذلك فى النفس والبدن والأشياء الخارجة عن الإستقامة .
سفه : السفه خفة في البدن ومنه قيل زمام سفيه كشير الاضطراب وثوب سفيه رديء النسج واستعمل فى خفة النفس لنقصان العقل وفى الأمور الدنيوية والأخروية فقيل سفه نفسه وأصله سفه نفسه فصرف عنه الفعل نحو بطر معيشته .
التفسير اللفظى
(واذا قيل لهم لاتفسدوا فى الارض) باالكفر وتعو بق الناس عن دين محمد صلى الله عليه وسلم (قالوا انما نحن مصلحون) يعنى يقولونه كذبا (ألا) كلمة تنبيه (انهم هم المفسدون) فى الأرض بالكفر (ولكن لا يشعرون) لأنهم يظنون أن نفاقهم صلاح (واذا قيل لهم) أى المنافقين (آمنو كما آمن الناس) يعنى المهاجرين والانصار (قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء) الجهل (ألا انهم هم السفهاء) الجهال (ولكن لايعلمون)) أنهم كذلك .
المعنى الجملى
عدد اله فى هذه الآيات الثلاث يعض شناعاتم المترتبة على كفرهم ونفاقهم، ففصل بعض خبائثهم وجنائثهم وجناياتهم وذكر بعض هفواتهم ثم أظهر فسادها وأبان بطلانها ، فحكى ما أسداه المؤمنين إليهم من النصائح حين طلبوا منهم ترك الرزائل التى تؤدى إلى الفتنة والفساد والتمسك بأهدب الفضائل واتباع ذوى الأحلام الراجحة والعقول الناضجة ، ثم ما أجبوا به مما دل على عظيم جهلهم وتماديهم فى سفههم وغفلتهم.
الايضاح
(وإذا قيل لهم لاتفسدوا فى الأرضى) المنهى عنه هنا الأسباب المؤدية إلى الكفار وإعرائهم بالمؤمنين ، وتنفيريهم من اتباع محمد صلى الله عليه وسلم ولأخذ بما جاء به من لإصلاح، إلى نحو أولئك من فنون الشر وصنوف القتن ، كما يقول إنسان لآخر : لاتقتل نفسك بيدك ، ولاتلق بيديك إلى التهلكة، إذا أقدم على ما هذه عاقبته.
(قالوا إنما نحن مصلحون) أى لا شأن لنا إلا الإصلاح، فنحن بعيدون عن شوائب الإفسادى باتباعنا رؤساءنا الذى استنبطوا تعالميهم من الأنبياء، فكيف ندع ما تلقيناه منهم ونعتقن دينا جديدا لاعهد لنا به من قبل؟
(ألا إنهم المفسدون ) أى هم وحدهم هم المفسدون دون من أومأوا إليهم، لأن لهم سلفا صالحا تركوا الاقتداء بهم، وفى هذا الأسلوب مبالغة فى الرد عليهم. ودلالة على السخط العظيم.
(ولكن لا يشعرون) بهذا الإفساد لأنه أصبح غريزة فى طباعهم بما تمكن فيها من الشبه بتقليدهم أحبارهم الذين أشربت قلوبهم تعظيمهم والثقة بآرائهم.
(وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس) الذين اتبعوا قضية العقل وسلكوا سبيل الرشد، وكان للإيمان سلطان على نفوسهم ، وعليه بنوا تصاريف أعمالهم كعبد الله ابن سلام وأشباهه من أحبارهم.
(قالو أنؤمن كما آمن السفهاء) أردوا بالسفهاء أتباع النبى صلى الله عليه وسلم . أقول : المراد بالسفه الطيش وخفة العقل وضعف الرأى. ومن لوازمه سوء التصريف, ومنه قيل :زمان سفيه : كشير الاضظراب لمرح الناقة ومتازعتها إياه .
(ألا إنهم السفهاء) وحدهم دون من عرضوا بهم ونسوبهم إلى السفه ،، إذ هم لهم سلف صالح تركوا الاقتداء بهم واكتفوا بانتظار شفاعتهم ، وإن لم يجروا على هديهم وستهم ، بخلاف أولئك الذى لاسلف لهم إلا عابدوا أصنام ، وقد هداهم الله وصارت قلوبهم مظمئنة بالإيمان.
(ولكن لا يعلمون) مالإيمان وما حقيقته ؟ حتى يعلموا أن المؤمنين سفهاء أو عقلاء. وقد ختمت هذه الآية بلا يعلمون ، وسابقتها بلايشعرون، لأن الإيمان لايتم بالعلم اليقسنى، والفائدة المرحوة منه وهى السعادة فى المعاش والمعاد لايدركها إلا من يعلم حقيقته ويدركه كنهه ، فهم قد أخطأ فى إدراك مصلحتهم ومصلحة غيرهم.
الدروس المستفادات
1- ذم الادعاء الكاذب وهو لا يكون غالباً إلا من صفات المنافقين .
2- الإِصلاح فى الأرض يكون بالعمل بطاعة الله ورسوله ، والافساد فيها يكون بمعصية الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .
3- العاملون بالفساد فى الأرض يبررون دائما إفسادهم بأنه إصلاح وليس بإفساد .

وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (١٤)اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١٥)أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (١٦)
معنى المفردات لغويا
ضل : الضلال العدول عن طريق المستقيم ويضادة الهداية.
هدى : الهداية دلالة بلطف ومنه الهدية وهوادي الوحش أي متقدمه الهدية لغيرها.
ربح : الربح الزيادة الحاصلة فى المبايعة.
التفسير الفظى
(واذا لقوا الذين آمنوا) كأبى بكر وأصحابه (قالوا آمنا) كايمانكم (واذا دخلوا) أى رجعوا (إلى شياطنهم قالوا إنما نحن مشتهزئون. الله يستهزئ بهم ويمدهم فى طغيانهم يعمهون أولئك الذين اشتروا الضلاة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين) الشياطين كبار المنافقين، والمستهزئ المستحف (الله يستهزئ بهم) يجازيهم (ويمدهم) يزيدهم، والطغيان تجاوز الحد ، والعمه فى البصيرة كالعمى فى البصر (اشتروا الضلالة بالهدى) اختاروها عليه واستبدلوها ، والرجح فى الأصل الفضل على رأس المال.
المعنى الجمالى
وصف الله فى هذه لآيات حال جماعة من المافقين كانوا فى عصر التنزيل قد بلغ من دعارتهم وتمردهم فى النفاق وفساد الأخلاق أن كانوا يظهروا بوجهين ، ويتكلمون بلسانين، فإذا لقوا المؤمنين قالوا آمنا بما أنتم به مؤمنون ، وإذا خلوا إلى شياطنهم دعاة الفتنة والافساد الذين يصدرون عن سبيل الحق قالوا لهم إنما نقول ذلك لهم استهزاء بهم، وقد فضح الله بهتانهم وأوعدهم شديد العقلب على استهزائهم وزادهم حيرة فى أمورهم : ثم ذكر أنهم قد اختتاروا الضلالة على الهدى ، إذهم أهماوا العقل فى فهم الكتاب بعد أن تمكنت منهم التقاليد والعادات ، وتحكمات فيهم البدع ، فحسروا فى تجارهم ، وما كنوا مهتدين فيها ، لأنهم باعوا ماوهبهم الله من النور والهدى ، بضلالات البدع والأهواء,
ألايضاح
(وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا ، وإذا خلوا إلى شياطنهم قالوا إن معكم إنما نحن مستهزئون) أى وإذا رأى المنافقون, المؤمنين واجتمعوا بهم قالوا كذبا وبهتانا : آمنا كإيمانكم وصدقنا كتصديقكم ، وإذا انفردوا بأمثالهم من دعاة الفتنة ولإفساد قالوا لهم : إن على عقيدتكم ، وموافقوكم على دينكم ، وإنما نظهر لهم الايمان استهزاء بهم، انشاركهم فى الغنائم ، نحفظ أموالنا وأولادنا ونساءنا من أيديهم ونطلع على أسرارها.
(الله يستهزئ بهم ويمدهم فى طغيانهم يعمهون) أى الله يجازيهم بالعقاب على استزائهم (وسمى هذها الجزاء استهزاء للمشاكلة فى اللفظى كما سمى جزء السيئة) ويزيدهم فى عتوهم وكفرهم ، ويجعلهم حائرين مترددين فى الضلال عقوية لهم على استهزائهم.
(ألئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى ، فما ربخت تجارتهم وما كنوا مهتدين ) ÷ى هؤلاء قد رغبوا عن الهدى وسلوك الطريق المستقيم ، ومالوا إلى الضلال واشتروه ، ولكن لم تكن تجارتهم رابحة ، إذهم أضاعوا رأس المال وهو ما كان لهم من الفطرة السليمة ،، والاستعداد لإدراك الحقائق ونيل الكمال ، فأصبحوا خاسرين آيسين من الربح.
الدروس المستفادات
1- التنديد بالمنافقين والتحذير من سلوكهم في مُلاَقَاتِهِمْ هذا بوجه وهذا بوجه آخر وفى الحديث : شراركم ذو الوجهين .
2- إن من الناس شياطين يدعون الى الكفر والمعاصى ، ويأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف .
3- بيان نقم الله ، وانزالها بأعدائه عز وجل .
مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ (١٧)صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ (١٨)
معنى المفردات لغويا
مثل : أصل المثول الانتصاب ، والممثل المصور على مثال غيره.
صم : الصمم فقدان حاسة السمع ، وبه يوصف من لا يصغى إلى الحق ولا يقبله.
تفسير اللفظى
(مثلهم) أى مثل المنافقين مع محمد صلى الله عليه وسلم (كمثل الذى استوقد نارا) أو قاد نارا (فلما أضاءت) أى النار (ماحوله) أى حول المستوقيد (ذهب الله بنورهم) جواب لما والضمير الذى ، وجمعه للحمل على المعنى : كقوله (وخضتم كالذى خاضوا) (وتركهم فى ظلمات لا يبصرون) الهدى (صم) عن سماع الحق (بكم) خرس عن الناطق به (عمى) لا بصائر لهم (فهم لايرجعون) عن ضلالهم ونفاقهم
المعنى الجملى
نهج القرآن الكريم نهج العرب فى أساليبها ، فضرب الأمثال التى تجلى المعانى أتم جلاء ، وتحدث فى النفوس من الأثر ما لايقدر قدره ولا يسبر غوره ، لما فيها من إبراز المعقولات الخافية فى معرض المحسوسات الجلية ، ولإظهار ماينسكر فى لباس مايعرف ويشهر ، وعلى هذا السنن ضرب اللهخ مثل المنافقين ، فصور حالهم حنيما أسلموا أولا ودخل نور الإيمان فى قلوبهم ، ثم داخلهم الشاك فيه فكفروا به ، إذ لم يدركوا فضائله ولم يفقهوا محاسنه ، وصاورا لايبصرون مسلكا من المسالك الهدية ولايدركون وسيلة من وسائل الناجة ، وقد أضاء ذلك النور قلوب من حولهم من المؤمنين المخلصين – بحال جماعة أوقدوا نارا لينتفعوا بها فى جلب خير أو دفع ضر ، فلما أأضاءت ما حولهم من الأشياء والأماكن ، جاءها عارض خفى أو أمر سماوى كمطر شديد ، أو ريح عاصف جرفها وبددها فأصبحوا فى ظلام دامس ، لايتسنى لهم الإبصار بحال.
الإيضاح
(مثلهم كمثل الذى استوقد نارا ، فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم فى ظلمات لايبصرون) أى مثل المنافقين وحالهم كحال الذين استوقدوا نارا ، فلما أضاءت ماحولهم من الأمكنة والأشياء ، أطفأ الله نارهم التى منها لاستمدوا نوريهم بنحو مطر شديد أو ريح عاصف فصيرهم لايبصرون شيئا ، لأن النور قد زال ولم يبق منه أثر ولا عين.
(صم بكم عمى) وصفهم الله بهذه الصفات مع سلامة مشاعرهم ، من قبل أنهم فقدوا منفعة السمع، فلا يصغون لعظة واعظ ولا إرشاد مرشد، بل هم لايفقهون إن سمعوا فكأنهم صم لاسمعون.
(فهم لايرجعون) أى فهم لايعودون من الضلالة ‘لى الهدى الذى تركوه واضاعوه، ‘إذ من فقد حواسه لايسمع صوتا يهتدى به ، ولا يصيح لينقذ نفسه ، ولايرى بارقا من النور يتجه إليه ويقصده ، ولاتزال هذه حاله ، ظالمات بعضها فوق بعض حتى يتردى فى مهاوى الهلاك.
أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (١٩)يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٠)
معنى المفردات لغويا
رعد : الرعد الصوت السحاب ، وروي أنه ملك يسوق السحاب.
برق : البرق لمعان السحاب.
تفسير اللفظى
(أو كصيب) أى كأصحاب صيب ، وهو المطر (من السماء) من السحاب (فيه) أى الصيب (ظلمات) جمع ظلمة (ورعد) هو الصوت الذى يسمع من السحاب. اقرأ إيضاحه فى السورة الرعد (وبرق يجعلون اصابعهم فى آذانهم) الضمير لأصحاب الصيب (من الصواعق) جمع صاعقة ، وهى قصيفة رعد هائل معها نار، وهذه المعانى كلها واضحة فى سورة الرعد مثل سابقتها فاقرأه هناك (حذر الموت) خوف الهلاك (والله محيط بالكافرين) عالم بهم وجامعهم فى النار (يكاد البرق يخطف أبصارهم) يختلسها (كلما أضاء لهم) البرق (مشوا فيه) فى نوره (واذا أظلك عليهم قاموا) بقوا فى الظلمة كذلك المنافقين (ولو شاء الله لذهب بسمعهم) بصوت الرعد (وأبصارهم) بوميض البرق (ان الله على كل شىء قدير) أى هو الفاعل لما يشاء اهـ التفسير اللفظى.
المعنى الجملى
ضرب الله مصلا آخر يشرح به حال المنافقين ويبين فظاعة أعمالهم وسواء أفعالهم ، زيادة فى التنكيل بهم ، وهتكا لأستارهم ، إذ كانوا فتنة للبشر ، ومرضا فى الأمم ، فجعل حالهم وقد أتتهم تاك الإرشادات الالهية النازلة من السماء فأصابهم القلق والاضطراب، واعترصتهم ظلمات الشبه والتقاليد والخوف من ذم الجماهير عند العمل بما يخالف آراءهم ، ثم استبانلهم أثناء ذلك قبس من النور يلمح فى أنفسهم حين يدعوهم الداعى، وتلوح لهم الآيات البينة، والحجاج القيمة، فيزمون على اتباع الحق، وتسير أفكارهم فى نوره بعض الخطى، ولكن لايلبثون أن تعود إليهم عتمة التقليد، وظلمة الشبهات، فتقيد الفكر وإن لم نقف سيره ، بل تعود به إلى الحيرة – كحال قوم فى إحدى الفلوات نزل بهم بعد ظلام الليل صيب من السماء ، فيه رعود قاصفة، وبرقو لامعة، وصواعق متساقظة، فتولاهم الذهش والرعب،، فهووا بأصابعهم إلى آذانهم كلما قصف هزيم الرعد ليسدوا منافذ السمع، لما يحذرونه من الموت الزؤام ، ويخافونه من نزول الحمام ، ولكن هل ينجى حذر من قدر؟ (تعددت الأسباب والموت واحد) بلى إن الله قدير أن يذهب الأسماع والألأبصار التى كانت وسيلة الدهش والخوف، ولكن لحكمة غاب عناصرها، ومصلحة لانعرف كنهها، لم يشأ ذلك وهو الحكيم الخبير.
الايضاح
(أو كصيب من السماء) أى كقوم نزل بهم صيب من السماء ، وفى قوبه من السماء إيماء إلى أنه شىء لايمكن دفعه. (فيه ظلمات ورعد وبرق) أى فيه ظلمة الليل، وظلمة السحب، وظلمة الصيب نفسه ، وفيه رعد وبرق. (يجعلون أصابعهم فى آذانهم من الصواعق حذر الموت) أى يجعلون أنامل أصابعهم فى آذانهم كلما حدث قاصف من الرعد ليدفعوا شدة وقعه بسد منافذ السمع ، خوف على أنفسهم من الموت ، مع أن سد الآذان ليس من أسباب الوقاية من الصاعقة حتى يدفع عنهم الموت. (والله محيط بالكافرين) أى والله مطلع عل أسرارهم ، عالم بما فى ضمائرهم ، قادر على أخذهم أنما كانوا ، فما صنعوا من سد الآذان بالأصابع لايغنى حذر من قدر ، فمن لم يمت بالصاعقة مات بغيرها.
(يكاد البرق يخطف أبصارهم) أى يكاد البرق يختلس أبصارهم ، ويستلبها بسرعة من شدة الضوء المفاجىء. (كلما أضاء لهم مشوفيه) أى كلما أنار البرق الطريق فى الليلة المظلمة ، مشوا فى مطرح نوره خطوات يسيرة. (وإذا أظلم عليهم قاموا) ÷ى وإذا خفى البرق واستتر وأظلم الطريق ، وقفوا فى أماكنهم متحيرين منتظرين فرصة أخرى عسى أن يتنسى لهم الوصول إلى المقاصد أو الالتجاء إلى ماجأ يعصمهم من الهلاك. (ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصلرهم) أى ولو شاء أن يذهب الأسماع والأبصار بصوت الرعد ونور البرق لفعل، لكنه لم يشأ لحكم ومصالح هو بها عليم. (إن الله على كل شىء قدير) أى إنه ما شاء كان ، إذ لا يعجزه شيء فى الأرض ولافى السماء.
المناسبة
لما ذكر تعالى الأصناف الثلاث ((المؤمنين ، والكافرين ، والمنافقين)) وذكر ماتميزوا به من سعادة أوشقاوة ، أو إيمان أونقاب ، وضرب الأمثال ووضح طريق الضلال أعقبه هنا بذكر الأدلة والبراهين على وحدانية رب العالمين ، وعرف الناس بنعمه ليشكروه عليها ، وأقبل عليهم بالخطاب (ياأيها الناس) وهو خطب لجميع الفئات ممتنا عليهم بما خلق ورزق ، وأبرز لهم (معجزة القرآن) بأصنع بيان وأوضح برهان ، ليقتلع من القلوب جذور الشاك والارتياب.
الدروس المستفادات
1- استحسان ضرب الأمثال لتقريب المعانى إلى الأذهان .
2- خيبة سعى أهل الباطل وسوء عاقبة أمرهم .
3- القرآن تحيا به القلوب كما تحيا الأرض بماء المطر .
4- شر الكفار المنافقون .








المراجع
القرآن الكريم
العلامة أبي القاسم الحسين بن محمد بن المفضل، معجم مفردات ألفاظ القرآن، (بيروت: دار الكتب العلمية، 1425هـ)
السيد محمد رشيد رضا، تفسير القرآن الحكيم الشهير بتفسير المنار،(القاهرة: دار المعرفة، 1366 هـ)
أحمد مصطفى المراغي، التفسير المراغي، ( بيروت: دار الفكر المعاصر، 1141 هـ)
الشيخ طنطوى جوهرى، الجواهر في تفسير القرآن الكريم، (بيروت: دار الفكر)
محمد علي الصابوني، صفوة التفاسير، (بيروت: دار الفكر،1431 هـ).
الجزائري، أيسر التفاسير (المكتبة الشاملة)

0 komentar:

Komunitas

Entri Populer

 
Design by Wordpress Theme | Bloggerized by Free Blogger Templates | free samples without surveys